الموت بالتقسيط: البيروقراطية، الطب الدفاعي، والقانون الساذج في مصر - كيف يساهم القانون فى قتل المرضى المصريين
Table of Content
في أرض الكنانة، حيث تختلط العراقة بالتحديات، يقف النظام الصحي كمرآة عاكسة لأوجاع شعب بأسره. بين بيروقراطية قاتلة، وطب دفاعي يمارس الجبن بدلاً من الرحمة، وقوانين لا تسمن ولا تغني من جهل المرضى، يسقط الأبرياء يومًا بعد يوم.
بين طابور الملفات وصفحات الإهمال
هل جربت يومًا أن تقف أمام شباك تسجيل في مستشفى حكومي؟ هنا تبدأ المسرحية، حيث يتربع الموظف على كرسيه، وقد اتخذ من كومة الأوراق وسور الزجاج العازل قلعة لا تُخترق. البيروقراطية هنا ليست مجرد نظام، بل مارد متوحش يلتهم الوقت والكرامة. وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2023، فإن مصر تفقد 15% من مرضاها سنويًا بسبب تأخر التشخيص أو العلاج نتيجة تعقيدات إدارية.
الطب الدفاعي: جبن أم ضرورة؟
الطبيب في مصر اليوم ليس كما كان في الماضي. تحت وطأة قوانين ساذجة ودعاوى قضائية جاهزة لكل من تسول له نفسه أن يُخطئ، تحول "ملائكة الرحمة" إلى "محاميي دفاع" في معركة البقاء. حسب دراسة حديثة نشرتها مجلة الطب المصري (2024)، 60% من الأطباء في مصر يتجنبون اتخاذ قرارات طبية حاسمة خوفًا من الملاحقة القانونية.
لماذا؟
لأن القانون لا يفرق بين خطأ طبي ناتج عن تقصير، وآخر نتج عن ظروف خارجة عن إرادة الطبيب. ومن هنا، تجد الطبيب يتحول إلى فريسة سهلة أمام جهل المرضى، وكأنه مطالب بتفسير كل مصطلح طبي بلغة العامة.
جهل المرضى: سهم في ظهر النظام الصحى برعاية القانون الأجهل
دعني أسرد لك قصة "أم أحمد"، التي جاءت بطفلها المصاب بحمى شديدة إلى المستشفى. بعد الكشف، قرر الطبيب ضرورة حجز الطفل، لكن "أم أحمد"، وبثقة العارفين، رفضت العلاج الداخلي بحجة أن "العين صابت". في اليوم التالي، تُوفي الطفل. من المذنب هنا؟ الطبيب الذي قُيدت يده بقوانين عقيمة، أم الجهل الذي يحصد الأرواح بلا رحمة؟
القوانين الساذجة: عدالة عمياء
إذا أردت دليلًا على سذاجة القوانين، فلتنظر إلى القضية الشهيرة التي حدثت في الإسكندرية (راجع تفاصيلها هنا). طبيب شاب حاول إنقاذ مريض دخل في نوبة قلبية، لكنه اتُّهم بالإهمال لأنه لم يكن "مختصًا". أي عبث هذا الذي يجعل الرحمة جريمة؟
واجب الأطباء والمرضى
لكيلا نظل نلعن الظلام، لا بد أن نشعل شمعة.
على الأطباء:
- التكاتف من أجل إصلاح التشريعات التي تحمي المهنة.
- تخصيص وقت لتوعية المرضى بضرورة التعاون والالتزام بتعليمات العلاج.
على المرضى:
- التخلي عن ثقافة التشكيك والبحث عن الحلول العلمية.
- المطالبة ببرامج تثقيفية صحية واسعة النطاق.
النهاية ليست حتمية
بينما تقرأ هذه السطور، تذكّر أن النظام الصحي في مصر ليس عدوًا، لكنه يحتاج إلى جراحة عاجلة. من البيروقراطية إلى الطب الدفاعي، ومن الجهل إلى القوانين، تبقى المسؤولية مشتركة. ولعلَّ إصلاح هذا الواقع يبدأ من هنا: من إدراكنا أن الحياة ليست مجرد ورقة على مكتب موظف، ولا معركة قضائية على خطأ طبي، بل هي أمانة يجب أن نصونها.
للمزيد حول هذا الموضوع، اطلع على: