لماذا كسبت البارودة الحرب مع القوس و النشاب؟
------------------------------------------
في نقاش محموم مع صديق عربي قال فيه أن الرماية بالقوس و النشاب غير مجدية و ضعيفة لهذا اندثرت في العصور المتأخرة و حل محلها البنادق و البواريد.

و لكن و الحق يقال بعيداً عن فقره التاريخي و المعلوماتي الخاص برماية القوس و النشاب و حتي تطور البواريد فالسبب الذي قاله لا أساس له من الصحة خصوصاً و أن القوس و النشاب كان يتفوق علي البواريد بالمراحل الأولي.

الكثير من المحترفين كانوا يطلقون 3 أسهم في 10 ثوان، و تصف بعض المصادر التاريخية عن شلال أسهم ينطلق بلا توقف من الرماة لعرقلة الجيوش بل إن مدي أحد الأقواس للمبعوث العثماني في إنجلترا بمسابقة رماية بالقوس في 1764 تجاوز ال 700 متراً وسط صدمة الرماة الإنجليز، و اقصي مدي سجل منذ سنوات علي يد صديق تركي علي هذا الحساب بقوس خاص كان 580 متراً تقريباً برمية المنزل.

طبعا بالمقارنة مع البواريد ، يتفوق القوس خصوصا لان البنادق البدائية منذ 400 و 500 سنة كانت متعبة في التحميل، بمدى أضعف و لا يمكن استخدامها بسهولة من علي ظهور الخيل.

فلماذا انتشرت البواريد و قل استخدام القوس حتي كاد ينعدم تقريباً في ال 300 سنة الماضية؟

السبب بكل بساطة فترة التدريب و الإحترافية، فنظام التدريب العثماني علي القوس و النشاب للجنود كان يستمر ل6 سنوات تقريبا، حيث تكون أول 3 سنوات منها تمرين القبضة Kapeza و هي مسك القوس بالطريق السليمة و التمرين علي شده عدة آلاف من المرات يومياً، يليها تمارين التهديف بالتقنيات المختلفة للمشاة و الفرسان و البحارة، حيث طور العثمانين أنظمة المغول بالرماية و مزجوها مع نظام تدريب المماليك المصرية.

أما البنادق ففي أقل من شهر يتمكن المدربون من تمرين الآلاف علي استعمال البندقية و التصويب و القتل و لا يحتاج الأمر لاحترافية الجندي لإطلاق النار.
لدي صديق هنا أيضاً علي هذا الحساب يستطيع إصاب هدف من علي بعد 50 بدقة استغرقت 7 سنوات من التدريب المستمر و المتواصل.

و صديق كويتي يتمرن منذ سنوات بمعدل 3-4 ساعات يومياً علي ظهور الخيل حتي يتمكن من تنفيذ تقنيات مغولية ليحترفها سافر لأجل تعلمها في منغوليا.
أنا أرمي أكثر من 300 رمية يومياً منذ فترة طويلة و يعتبرني الأستاذ و أصدقائي الزملاء أني لا أتمرن تقريباً و أتحجج بكسر يدي.

فمن الإجحاف دمج مهارات و تقنيات و أساليب تستغرق سنوات طويلة لتعلمها و إتقانها و الآلاف المؤلفة من ساعات التمرين و اختزالها بعشرات الساعات لتعلم و إتقان الرمي بالسلاح.

و تصاعد وتيرة الإنتاج للبنادق و وتيرة إنتاج جنود مُدربة مُجهزة للقتال بشكل سريع, تصاعد حتى وصلنا لحروب عالمية مات فيها الملايين.

و البنادق تسمح بالتحصن و تقليل المُواجهة المُباشرة, ففتحت المجال لحروب الخنادق و التى بدأها فى العصر الحديث عثمان نورى باشا Osman Nuri Pasha و الذى صمد بقوات قليلة العدد لشهور طويلة فى مواجهة غزو روسى فى القرن التاسع عشر و حول الخنادق لسلاسل تغذية و تموين و منازل و مرات بعد أن كانت مُجرد موانع للعدو.

كانت النتيجة الشبه نهائية هنا أن تقنيات الرمى بالقوس و النشاب انقرضت نسبياً مع الوقت فحتى القبائل العربية و المغولية التى كانت تبرع فيها بدأت بالتخلى عنها تدريجياً لحساب البنادق, و ما نراه الآن هو محاولة لإعادة التراث العربى و المملوكى و التركى و الوسط أسيوى من الكتب القديمة.

أما سبب استمرار الرمى بالقوس و النشاب بالنمط الغربى فهو تحوله لرياضة صيد أولاً و ثانياً قيام نُبلاء أوروبا بحماية استمرارية التقليد الإنجليزى حتى بأوضاعه الغير طبيعية و غير عملية و التى تطورت فى ردهات و حدائق القصور الإنجليزية لا حروبها.

فى النهاية كان عنصر الوقت هنا أهم بكثير من عنصر المهارة لكسب الحرب بالنسبة للجيوش.

لا يمكن إنهاء هذا المنشور بدون الإشادة لمجهود الأستاذ Ertan Erkekoğlu فى عمله البحثى الدؤوب عن تاريخ الأسلحة الإسلامية العثمانية و المملوكية, و الأستاذ Tozkoparan Bünyamin لتخصصه فى البحث  فى أساليب الرماية المملوكية و تميزه فيها.