قنوات الأطفال العربية الآن و صناعة الغباء

قنوات الأطفال العربية الآن و صناعة الغباء
Photo by Federico Di Dio photography / Unsplash

فى الثمانينات و التسعينيات كانت المنتجات التى تستهدف الأطفال جلها مدبلجة برعت فيها عشرات الأستديوهات بالعراق و سوريا و الأردن و لبنان , فكان هناك منتجات مختارة بعناية فائقة من المنتجات الغربية و اليابانية تحديداً , كان معظم المنتجات المترجمة هى منتجات جادة , تحفل بالخيال العلمى و الأكشن و الحرب أحياناً , كانت القصص تصمم بشكل ليخاطب عقلية الطفل و يزرع مفاهيم معينة حسب نوع القصة و الشريحة المستهدفة من الأطفال , فكانت القصة هى المقياس و المعيار الأول حينها  , كان يمكن صناعة طفل يفكر بخياله متفتح الآفاق و الملكات و حسب المفاهيم التى توجه له تتمكن من المساهمة فى تشكيل شخصيته .

العشر سنوات الماضية امتلئ التلفاز بعشرات القنوات التى تستهدف الأطفال و  مئات المنتجات المدبلجة و المًنتجة محلياً فضلاً عن الأغانى و الأناشيد و غيرها و بالرغم من تطور الرسوم و الجرافيك و المؤثرات البصرية و الصوتيه إلا أنها صارت بانحدار عنيف فى مستوى القصة و المفاهيم الموجهة للأطفال و حتى الموسيقى التى تصاحب القصة انحدر مستواها بشكل غريب , ربما لأن السبب الأساسى كان استخفاف صناع هذه القصص و المنتجات بعقول الأطفال و قدرتها على التحليل و الحدث فظنوا او خططوا عن عمد لجذب الأطفال للألوان و الرسوم و استخفوا بتقديم القصص و تصميمها .

مجرد المقارنة بين منتجات الثمانينات و التسعينيات و المنتجات الموجهة على قنوات الأطفال أو قنوات الإستخفاف بعقول الأطفال  هى أمر مفزع للغاية ففضلاً عن الذوق السيئ فى كل شئ و القصص الرديئة التى تستخف بعقول الأطفال و حتى الموسيقى التى لا تراعى او كأنها تتعمد أن تدمر الذوق الحسى و السمعى  للأطفال أو حتى اللغة العربية التى لم يعد يراعيها هؤلاء , فهى لا تقدم أى شئ إلا تدمير ذوق الأطفال و قدراتهم التفكيرية و تصنع أجيالاً جديدة من الأغبياء ... فالطفل يبدأ بالعيش فى عالمه الخيالى الفانتزى بعيداً عن الواقعية و مدفوعاً بعيداً عن التفكير فى أمور الخيال العلمى و هذا ما تصنعه قصص الخيال العلمى و غيرها و يجد نفسه محشوراً فى مستويات تافهه بمقاطع كوميدية لا تعلمه حتى السخرية و قصص غير مكتملة الأطراف و تحريض على الغباء و صناعة الغباء فى عقله ..

التفوق الحقيقى لهذه المنتجات رديئة القصص و بشعة التصميم و الشخصيات و التى لا تهتم بصنع ملامح للشخصيات و عديمة الذوق و الحس فى الألوان و المؤثرات السمعية و فاسدة المفاهيم إن لم تكن معدومتها , كان فى الجرافيكس و الرسوم , فبالرغم من تفوق أدوات إنتاج الرسوم و الجرافيك إلا أنهم قد فشلوا فى إنتاج ما يناسب الأطفال بل راعو تعقيد الجرافيك و الرسوم المستهدفة و هذا التفوق الوحيد صنع فارقاً متعمداً بين قبول الطفل للقديم فعند محاولتى عدة مرات لعرض بعض ما نشأنا عليه لبعض الأطفال فى الثمانينات و التسعينات كانو يرفضونه و لا يتقبلونه بسبب مقارنة الجرافيك برغم بساطة الألوان , فالمنتجات الآن قد نجحت فى إقصاء و عزل منتجات الأمس عن الطفل الذى سيقارن الجرافيك و لن ينتظر لانتهاء المسلسل أو البرنامج ليحكم على القصة و الحدث و ينتظر نهاية المعركة ليحسم أمره من النتيجة . هذه المعضلة ستجبر من يريد عرض منتجات الأمس على إعادة إنتاجها مرة أخرى بتقنيات اليوم . حتى تنافس جدية الأمس تفاهة اليوم . أو على الأقل إيقاف بث سفه اليوم لفترة ما لصنع مساحة راحة نفسية  لا بأس بها  و إعادة تصفير  و إعادة بث القديم  المدبلج فعلاً و الجاهز مرة أخرى .

شركات الدبلجة و تعمد دبلجة و اختيار التفاهة .

فى واقع الأمر فالمنتجات الغربية و اليابانية تحديداً الموجهه للأطفال تحتوى كل شئ تقريباً مما ذكرته آنفاً و لكن شركات الدبلجة العربية و قنوات الأطفال العربية تتعمد دبلجة التفاهة و السفه و عرضه على الأطفال فى إطارها للإستخفاف بالطفل العربى  و تأكيداً لدورها فى صناعة الغباء و الطفل الغبى الذى ينشئ على سبونج بوب و غيرها لا على واقعية الحرب و ما بعد الحرب و واقعية القصص الإجتماعية و الخيال العلمى . و فى هذا فإن شركات الدبلجة هذه لا تستخف فقط بالأطفال التى تستهدفهم بل فى آباء هؤلاء الأطفال أيضاً و الذى يتركون ابنائهم فريسة سهلة طيعة لهذه القنوات بمنتجاتها المستوردة المختارة التى تصنع من أطفالهم مجرد أغبياء حقيقين بلا خيال حقيقى و بلا تقبل لواقعية الشارع .




فى هذا المقال لن نذكر مقارنات كثيرة بين أسماء الأن و لكن لنذكر بعض  منتجات الأمس التاريخية و التى شهدتها عدة مرات منذ كان عمرى ٥ سنوات , فابحثوا عنها على اليوتيوب و شاهدوا بعض حلقاتها الأولى و حاولوا المقارنة بين ما يشاهده أطفالكم اليوم من سفه و ما تربينا عليه بالأمس و احكموا بأنفسكم .



الغواصة الزرقاء

مسلسل خيال علمى حربى عسكرى , بقصة مصممة جيداً بشخصيات تم بنائها بشكل تدريجى لترسم صورة عن كل شخصية  , بغواصة و حاملة طائرات فى نفس الوقت تحولت إلى سفينة فضاء لتحارب غزاة فضائيين .

أهم مفاهيم هذا المسلسل كانت : التعاون , مسؤولية الحدث , و دور الفرد فى المنظومة و طاعة الأوامر و مفاهيم القيادة و لكن لعل أهم ما قدمته هى كيفية تحويل طلاب مدنين إلى مقاتلين عسكريين لكل منهم دور و وظيفة .

بإمكانكم المقارنة بأنفسكم فى أول عشرة حلقات من المسلسل ستنتبهون للفرق و عليكم أيضاً مقارنة المنتج السمعى و الموسيقا التصويرية المصاحبة للمسلسل لتعرفوا بأنفسكم كيف تفسد منتجات الحاضر ذوق الأطفال السمعى و تدمره و كيف تصنعه منتجات الأمس .

هذا المسلسل يصلح للأطفال من ٥ سنوات فما فوق .


البعض قد يعتبر هذا المسلسل صعباً للأطفال تحت الخمس سنوات حسناً فهنا مسلسل آخر للأطفال مليئ بالخيال العلمى صممه و رسمه و بني شخصياته د أوسامو تيزوكا و هو منتج مسلسلات للأطفال و مبتكر شخصيات و منتج أفلام و طبيب بشرى فى نفس الوقت   و  لعل هذا المسلسل هو أهم منتجاته : " كوكى العجيب " و قد تم دبلجته للعربية و عرضه فى الثمانينات بعدة دول عربية .




لا داعى لذكر الكثير من الأمثلة هنا فيكفى مثالين فقط للمقارنة السريعة بين ما يٌقدم اليوم من منتج غث بدون قصة أو خيال حقيقى أو ارتباط بالواقع أو مفاهيم الخير و الشر و غيرها و بين ما قٌدم الأمس لأطفال الأمس ... و لكن المقارنه الحقيقية للآباء و الأمهات ستكون فى خلل فى التواصل العنيف بين أطفال الأمس أبآء اليوم و أطفالهم اليوم بسبب ما يشاهدونه على شاشات قنوات تستهدف صناعة الغباء لا صناعة جيل  ريادى و لعل ما قد يدق نواقيس الخطر الحقيقية هى أن ما يحاول الآباء زراعته فى عقول و نفوس  أبنائهم اليوم لأسابيع و ربما شهور تدمره حلقة واحدة لمسلسل مهترئ القيم,  فاسد المعايير , عديم القصة , رديئ الشخصيات يكون أكثر تأثيراً من نصائح و توجيهات الأباء .


على الهامش :

لأسابيع كنت أشاهد قنوات الأطفال العربية و التركية ,  و القنوات التركية حالها أسوأ بكثير من القنوات العربية فالمنتجات التركية المحلية التى تستهدف الأطفال لا يوجد أفضل منها فى الجرافيك و المؤثرات الصوتية و البصرية و لا يوجد أفضل منها فى الإستخفاف بعقول الأطفال و أهليهم , فلدينا المثل الشعبى فى تركيا محافظة أفيون - الشهيرة بانتاج مخدر الأفيون - بأنهم يخلطون المخدر مع حليب الطفل حتى لا يزعجهم بكائه و الآن يكفى فقط أن يتركونه أمام تلفاز مفتوح بأحد قنوات الأطفال المحلية ليتسمر أمام الشاشة .



روابط :

الغواصة الزرقاء - Space Carrier Blue Noah

IMDB : http://www.imdb.com/title/tt0997137/

Wikipedia : https://en.wikipedia.org/wiki/Space_Carrier_Blue_Noah


رابط حلقات الغواصة الزرقاء باللغة العربية

https://www.youtube.com/watch?v=naGaaUxOE6o

الموسيقى التصويرية للغواصة الزرقاء .

https://www.youtube.com/watch?v=G33rk-xFsiE&list=PLvddUWn1NR3fqjT7d3NZs-B3UvGjljMqk

كوكى العجيب : Jetter Mars

Wikipedia : https://en.wikipedia.org/wiki/Jetter_Mars


/