"انتظرنا كثيرًا حتى انفجرت الزائدة" - الطب الدفاعي فى مصر
Table of Content
حدث منذ أيام، وبالتحديد في إحدى المستشفيات العريقة بالإسكندرية، وقع الحدث الذي يليق أن يبدأ به فيلم درامي بعنوان "انتظرنا كثيرًا حتى انفجرت الزائدة". طفل بريء لم يتجاوز العاشرة، جاء يشكو من ألم في بطنه وحرارة، فكان أول ما خطر على أذهان الأطباء: "آه، الزائدة!".
ولكن، في عالم الطب الدفاعي حيث كل خطوة تحتاج إلى ختم وتوقيع وموافقة جماعية، قرر الفريق الطبي طلب الأشعة التلفزيونية، التي جاءت لتزيد الطين بلة بجملة "اشتباه زائدة، لكن الأفضل نعمل أشعة مقطعية". هنا، تدخل استشاري الجراحة بحنكته المفرطة وقرر أن المريض لن يلمس غرفة العمليات إلا بورقة المقطعية المؤكدة، لأن الطب أصبح مثل لعبة الشطرنج: خطوة خاطئة وأنت مهزوم قانونيًا.
وهكذا، بدأ مشوار الطفل المسكين في دائرة بيروقراطية من "استنى دورك في المركز" و"الأشعة المقطعية بتاخد وقت" و"النتيجة لسه ما وصلتش". وأخيرًا، بعد يوم كامل من الانتظار طويل، جاءت الورقة التي طال انتظارها مكتوبًا عليها بالخط العريض: "زائدة ملتهبة". هنا فقط قرر الجميع أن الوقت قد حان، وأُدخل الطفل غرفة العمليات.
لكن، للأسف الشديد، لم ينتظر القدر هذا الكم من الورق والإجراءات، فحين فتح الجرَّاح بطن الطفل، كانت الزائدة قد انفجرت مسببة التهابًا بريتونيًا. يا للمأساة! زائدة كان يمكن التعامل معها بجراحة بسيطة تحولت إلى كابوس من المضاعفات والعلاج الطويل.
الطب الدفاعي: هل نحن أطباء أم محامون؟
في عالمنا المعاصر، حيث القانون يحاصر الأطباء من كل اتجاه، أصبح الطب الدفاعي هو السائد. بدلًا من أن يعتمد الطبيب على خبرته وبراعته، أصبح يضع يده على قلبه خشية أن يجد نفسه في المحكمة بسبب قرار "متسرع". المزيد عن هذه الظاهرة تجدونه في مقالنا المميز عن الطب الدفاعي في مصر.
قوانين غبية تُعقد أكثر مما تُصلح
القوانين الصحية الجديدة، التي يُفترض بها أن تضمن حقوق المرضى، أصبحت عبئًا على الجميع. الطبيب أصبح يخشى أن يأخذ قرارًا، والمرضى أصبحوا يدفعون ثمن هذا الخوف بالانتظار الطويل والمضاعفات الخطيرة. لتحليل أعمق عن هذه القوانين، يمكنكم قراءة مقالنا عن القانون المصري للرعاية الصحية.
ختامًا: من الضحية؟
انتهت قصة الطفل بسلام، لكن النهاية كانت يمكن أن تكون أكثر سلاسة لو لم يكن الطب قد تحول إلى لعبة انتظار الأوراق. وبين قانون صارم وخوف دائم، يبدو أن الجميع يدفع الثمن، لكن الأطفال يدفعون الأغلى. ربما حان الوقت لأن نعيد التفكير في هذا النظام، قبل أن تتحول حكايات "انفجار الزائدة" إلى أمرٍ يوميٍّ عاديٍّ.
إلى اللقاء في حكاية بيروقراطية جديدة، وربنا يستر!