مشروع قانون المسؤولية الطبية وتأثيره على الرعاية الصحية في مصر
في خطوة قد تبدو أنها تهدف إلى تحسين النظام الطبي في مصر و لكنها تفعل العكس تماماً، وافقت الحكومة في أكتوبر 2024 على مشروع قانون “المسؤولية الطبية”، وأحالته إلى مجلسي الشيوخ والنواب للنظر فيه وإقراره. يُركز القانون على تعزيز حقوق المرضى وتقديم خدمات طبية آمنة، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا بين الأطباء والجهات الصحية.
وفقًا لتقارير من مصادر مثل "الجزيرة مباشر" و"البوابة نيوز"، فإن القانون يتضمن عقوبات تشمل الحبس في بعض الحالات، مما أدى إلى استياء نقابة الأطباء الذين طالبوا بتعديلات عاجلة.
أبرز ملامح مشروع القانون
- الأهداف الأساسية:
- تنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمات الطبية والمرضى.
- تحديد المسؤوليات والالتزامات للطرفين.
- توفير إطار قانوني لعلاج الأخطاء الطبية.
- الآليات المقترحة:
- إنشاء لجنة عليا للمسؤولية الطبية تتبع رئيس مجلس الوزراء، تُعنى بالتحقيق في الشكاوى.
- إنشاء صندوق تأميني لتغطية التعويضات في حالة وقوع أخطاء طبية.
- العقوبات:
- فرض عقوبات مالية على الأخطاء الطبية.
- عقوبة الحبس في بعض الحالات، خصوصًا الأخطاء التي تُعتبر جسيمة أو نتيجة إهمال واضح.
مخاوف الأطباء من القانون
أعربت نقابة الأطباء عن رفضها لتضمين عقوبة الحبس في القانون، مشيرة إلى أن ذلك يُعرض الأطباء لتهديد مستمر ويخلق بيئة عمل غير آمنة. وأكدت النقابة أن معظم القوانين الدولية تعتمد على العقوبات المالية والتأمين المهني بدلاً من الحبس.
من أبرز المخاوف التي عبّر عنها الأطباء:
- الحبس الاحتياطي: تعتبر النقابة أن هذا الإجراء يمكن أن يُستخدم في شكاوى كيدية، مما يعرض الأطباء للابتزاز ويهدد استقرارهم المهني.
- زيادة هجرة الأطباء: يرى المراقبون أن القانون قد يدفع المزيد من الأطباء إلى الهجرة، مما يؤدي إلى تفاقم نقص الكوادر الطبية في مصر. بحسب تقرير نُشر في أكتوبر 2024، فإن 60% من الأطباء يفكرون في الهجرة بسبب بيئة العمل غير الآمنة.
- تأثير سلبي على جودة الخدمات: قد يتردد الأطباء في التعامل مع الحالات الحرجة لتجنب الوقوع في مشكلات قانونية، مما يهدد حياة المرضى ويزيد من الضغط على النظام الصحي.
الاعتداء على الأطباء في المستشفيات
إلى جانب الجدل حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، يعاني الأطباء في مصر من تزايد حالات الاعتداء عليهم داخل المستشفيات. تشمل هذه الاعتداءات تهجم المرضى أو ذويهم على الأطباء بالسب والضرب نتيجة عدم رضاهم عن الخدمة المقدمة أو نتيجة وفاة المرضى في الحالات الحرجة.
أسباب تفاقم المشكلة:
- غياب الحماية الكافية في المستشفيات.
- تأخر تدخل الأجهزة الأمنية في بعض الحالات.
- ضعف القوانين الرادعة للمعتدين.
في حادثة أثارت جدلًا واسعًا في أكتوبر 2024، اعتدى ممثل شهير على أحد الأطباء داخل مستشفى بالقاهرة بسبب خلاف على إجراءات طبية. رغم تسجيل الواقعة، اعتُبر رد فعل السلطات متساهلًا، مما أثار غضب النقابة والمجتمع الطبي.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "مصراوي"، فإن مثل هذه الحالات تعزز شعور الأطباء بعدم الأمان وتفاقم الأزمة.
تأثير الاعتداءات على النظام الصحي
- زيادة هجرة الأطباء: هذه الاعتداءات ليست مجرد سبب إضافي لهجرة الأطباء، بل أصبحت عاملاً رئيسياً يُساهم في تفاقم الأزمة الصحية بمصر. بحسب تقرير نقابة الأطباء، غادر أكثر من 12,000 طبيب بين 2019 و2024، ومعظمهم توجهوا لدول الخليج وأوروبا بحثًا عن بيئة عمل أكثر أمانًا ودعمًا. يُذكر أن تكلفة إعداد طبيب متخصص في مصر تقدر بملايين الجنيهات، مما يعني أن الهجرة تُسبب خسائر اقتصادية كبيرة للقطاع الصحي وللدولة بشكل عام.
- انخفاض معنويات الأطباء: الاعتداءات المستمرة تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الأطباء، إذ يشعرون بعدم التقدير والخوف من ممارسة مهنتهم. تكرار هذه الاعتداءات دون رد فعل حاسم من السلطات يؤدي إلى إحباط واسع النطاق، مما ينعكس بشكل سلبي على إنتاجية الأطباء وقدرتهم على تقديم خدمات طبية بجودة عالية.
- تدهور جودة الرعاية الصحية: مع تزايد الاعتداءات، يصبح الأطباء أقل استعدادًا لمعالجة الحالات الحرجة التي قد تؤدي إلى مواجهات مع أهالي المرضى. هذا التردد يؤدي إلى تأخير في تقديم الرعاية الطبية اللازمة، مما يهدد حياة المرضى ويُعمق الشعور بعدم الثقة في النظام الصحي. كما أشار تقرير حديث نُشر في أكتوبر 2024 إلى أن المرضى في العديد من المستشفيات الحكومية يعانون من تراجع حاد في جودة الخدمات الصحية بسبب نقص الكوادر الطبية المؤهلة.
مقترحات لمعالجة الاعتداءات على الأطباء فى المستشفيات
- تشديد العقوبات: يجب تطبيق قوانين رادعة تضمن السجن والغرامة للمعتدين على الأطباء، مع تنفيذ عقوبات مشددة تبدأ من الحبس الفوري ودفع تعويضات كبيرة للمتضررين، وذلك لضمان تحقيق الردع المطلوب. هذه الإجراءات يجب أن تُقر بشكل واضح ضمن قانون المسؤولية الطبية الجديد لتجنب التأخير في التطبيق.
- توفير الحماية الأمنية: وضع رجال أمن دائمين في المستشفيات الكبرى لضمان سلامة الأطباء والمرضى على حد سواء. يجب أن تتولى فرق أمن متخصصة مراقبة المداخل والممرات داخل المستشفيات، وتوفير أنظمة مراقبة متقدمة يمكنها تسجيل الأحداث عند وقوعها لاستخدامها كدليل قانوني.
- توعية الجمهور: إطلاق حملات إعلامية ضخمة على وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي لتوعية المواطنين بأهمية احترام الأطباء ودورهم الحيوي في المجتمع. يمكن أن تشمل هذه الحملات شهادات من مرضى تعافوا بفضل رعاية الأطباء، ما يعزز التعاطف والفهم لدورهم.
- تحسين النظام الصحي: رفع كفاءة الخدمات وتقليل الزحام في المستشفيات من خلال زيادة عدد المستشفيات الحكومية وتطوير بنيتها التحتية. كما يجب تحسين توزيع الكوادر الطبية بين المناطق الحضرية والريفية لضمان توافر الخدمات الصحية للجميع وتخفيف الضغط عن المراكز الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تخصيص ميزانيات أعلى لتحسين جودة المعدات الطبية وتوفير الأدوية اللازمة، ما يساهم في تقليل التوتر بين المرضى ومقدمي الخدمة.
مقترحات لتحسين قانون المسؤولية الطبية
- إلغاء عقوبة الحبس: الاعتماد على العقوبات المالية والتأمين المهني بدلاً من الحبس لضمان بيئة عمل آمنة للأطباء.
- تعزيز دور لجنة المسؤولية الطبية: جعلها الجهة الوحيدة المختصة بالتحقيق في الأخطاء الطبية، بدلاً من إحالة القضايا مباشرة إلى النيابة العامة.
- زيادة وعي المرضى والأطباء: تنظيم حملات توعوية لتعريف المرضى بحقوقهم وأيضًا توعية الأطباء بالالتزامات القانونية.
- تحسين ظروف العمل: العمل على تحسين ظروف العمل للأطباء داخل مصر، من خلال رفع الرواتب وتحسين بيئة العمل لتشجيع الكوادر الطبية على البقاء.
الخلاصة
مشروع قانون المسؤولية الطبية خطوة مهمة لتنظيم القطاع الصحي في مصر، ولكنه يحمل بعض البنود المثيرة للجدل التي قد تؤثر سلبًا على النظام الطبي. إلى جانب ذلك، تُشكل الاعتداءات على الأطباء داخل المستشفيات تحديًا كبيرًا يهدد استقرار المنظومة الصحية.
لا شك أن اتخاذ تدابير حاسمة، سواء من خلال تعديل القانون أو مواجهة ظاهرة الاعتداءات، سيكون له تأثير إيجابي على تحسين جودة الرعاية الصحية وحماية مقدمي الخدمة.